د. عنان أبو صالح في لقائها مع كل ليدي كل العرب:
العنف الجنسي ظاهرة عالمية تختلف حدتها وسعة انتشارها من مجتمع إلى آخر
الشرطة تتميز بعدم تفهمها لوضعية الضحية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص
يعتبر العنف الجنسي مشكلة مستترة حيث تبدي الضحايا الكثير من التردد في الكشف عن الاعتداء
المجتمع الفلسطيني لديه طابو حول موضوع الجنس ويشجع المحافظة على حصر المشاكل داخل العائلة ومعارضة التوجه للشرطة
الدكتورة عنان أبو صالح، من سكان مدينة سخنين، عاملة اجتماعية، حاصلة على اللقب الأول في الخدمة الاجتماعية من جامعة بن غريون في بئر السبع، حاصلة على اللقب الثاني في الخدمة الاجتماعية من جامعة تل أبيب، حاصلة على اللقب الثالث (الدكتوراة) في الخدمة الاجتماعية في الجامعة العبرية في القدس.
د. عنان أبو صالح
عملت الدكتورة عنان ابو صالح سابقًا عاملة اجتماعية في قسم الرفاه الاجتماعي في مجال النساء، عائلات في ضائقة، ومركزة موضوع فتيات في ضائقة، مركزة البيت الدافئ للفتيات في ضائقة، مأمورة قضائية لشؤون القاصرين والأولاد في ضائقة، عاملة اجتماعية للأولاد في مؤسسات علاجية، محاضرة في كلية غرناطة، أمَّا وظيفتها الحالية، فإنها مديرة مشروع قومي للأطفال في ضائقة في قرى الشاغور.
تقول الدكتورة عنان أبو صالح في حديث خاص مع مجلة ليدي كل العرب: "حظيت مشكلة العنف الجنسي في الآونة الأخيرة، باهتمام العديد من الأوساط الإعلامية الأكاديمية والمجتمعية، وعلى كافة مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حتى أصبحت جزءًا من خطاب الحياة اليومية. العنف الجنسي يعتبر أحد أشكال التمييز وأحد أخطر المشكلات الاجتماعية الحالية، وبطبيعة الحال نجد أن النساء هن الغالبية العظمى ممن يقع عليهن التحرش، رغم أن الدراسات تشير إلى وجود فئات أخرى ضحية العنف الجنسي مثل المراهقين، الأطفال والأقليات الاثنية والوطنية، ومن ضمنها النساء والفتيات في المجتمع الفلسطيني. هذا، وتعتبر مشكلة العنف الجنسي ظاهرة عالمية تختلف حدتها وسعة انتشارها من مجتمع إلى آخر وتتباين بالتالى أسبابها ودوافعها من مجتمع لآخر ومن ثقافة إلى أخرى. إن العنف الجنسي هو أقل أنواع الاعتداء انكشافًا بسبب السرية أو "مؤامرة" الصمت التي تغلب على هذا النوع من القضايا، ويعتبر مشكلة مستترة، حيث تبدي الضحايا الكثير من التردد في الكشف عن الاعتداء وذلك لأسباب عديدة. ان النساء الفلسطينيات كأقلية وطن والذي يعاني من احتلال، يواجهن ايضًا مشكلة العنف الجنسي، وقد اثبتت الدراسات تأثير السياق الاجتماعي والسياسي على انتشار المشكلة وعلى الضحايا".
وأضافت الدكتورة عنان: "تعتبر مشكلة العنف الجنسي في المجتمع الفلسطيني مشكلة متعددة الأوجه والعوامل والآثار، نتيجة لتأثير السياق الاجتماعي الثقافي والسياسي للشعب الفلسطيني على انتشار المشكلة، وازدياد الصعوبات التي تواجه الضحايا والتي تحد من امكانية علاجها. المجتمع الفلسطيني يعاني من الاعتداء الجنسي، سواء الذي يحدث داخل الاسرة او خارجها حيث حرصت الضحايا الفلسطينيات على كتم موضوع العنف الجنسي حتى لا تعاني من ردود فعل العائلة والمجتمع. إن مشكلة الاعتداءات الجنسية قائمة في كل فئات المجتمع، وتعتبر حدثاً مأساويًّا، له تداعيات نفسية اجتماعية جسمانية وعائلية، وهي آخذة بالانتشار، وذلك لكون الضحية امرأة، عدم معاقبة المعتدي من قبل المجتمع والدولة، لوم وتذنيب الضحية وتأثير السياق السياسي والبنية الاجتماعية الذكورية. فالفتاه الفلسطينية هي ضحية للاعتداء الجنسي، للمعتدي ولردود فعل العائلة والمجتمع، حول كشف الاعتداء، ولذلك معظم حالات الاعتداء غير معروفة لمراكز مساعدة الضحايا بحيث ان كشف السر متعلق في جيل الضحية، علاقة القرابة مع المعتدي، نوع الاعتداء والدعم الاجتماعي والعائلي.
هناك أسباب عديدة لصمت الضحايا، مثل صعوبة إيجاد إثباتات طبية وقانونية، الخوف من إيقاع الأذى بهن، تأثير إفشاء السر على العائلة والمعتدي، عدم الثقة بالآخرين وصعوبة إشراكهم في مخاوفهن، عدم الثقة بالضحية، أكاذيب المعتدي، القتل على خلفية شرف العائلة، لوم الذات والرؤية الذاتية السلبية ومفهوم الإفشاء كخطوة غير سليمة. بالرغم من ذلك، نواجه قسمًا من الضحايا يكشفن عن تعرضهن للاعتداء الجنسي، وذلك لعدم القدرة على التعامل مع الصعوبات النفسية والجسمانية المتعلقة في الاعتداء، منع تكرار الاعتداء على الآخرين، قدرات شخصية مساعدة، دعم من قبل العائلة والمجتمع، كشف حالات أخرى، التعرف على شاب والرغبة في الزواج".
هذا، وتابعت الدكتورة عنان في حديثها لمراسل موقع العرب وصحيفة كل العرب: "ان حدوث الاعتداء الجنسي يؤدي إلى تغيير وبلبلة في الوظائف العائلية، انهيارها، تغيير في القيم والعادات الاجتماعية وكسر طابو عائلي. بشكل عام، الضحية الفلسطينية تواجه صعوبة في كشف الاعتداء، وذلك لشعورها بالالتزام بواجبات عائلية تجاه العائلة والمعتدي، المحافظة على مبنى العائلة، سيطرة المعتدي، الخوف من عدم تصديقها وتصديق المعتدي، الخوف من فقدان النسيج العائلي، القتل على خلفية شرف العائلة ولومها في المس في احتمال زواج الأخوات. ويعتبر المجتمع الفلسطيني مجتمعًا محافظاً ذكوريًّا مبنيًّا على تربية الرجل على انه المسيطر، وله شرعية التصرف حسب احتياجاته وأهوائه، ورؤية دونية للمرأة ويبدي معارضة للتطرق أو كشف مشكلة الاعتداءات الجنسية وتقبلها، في المجتمع الفلسطيني طابو حول موضوع الجنس، ويشجع المحافظة على حصر المشاكل داخل العائلة ومعارضة التوجه للشرطة، غير متسامح مع الضحايا وغالبًا ينظر للضحية كمنحلة أخلاقيًّا ويحملها مسؤولية حدوث الاعتداء، ويواجه صعوبة استيعابها وتقبلها لذلك يلجأ عادة إلى اتهامها في كسر الحواجز الاجتماعية، ومحاولة المحافظة على المبادئ الاجتماعية ومعاملة الذكور(كمعتدين وكضحايا) بطريقة مختلفة. وهناك أهمية تلقي الضحايا الدعم والمساعدة اللازمة، مما يساعد في تخفيف معاناتهن وأهمية التبليغ لوقف الاعتداء ومعاقبه الجاني، لمنع تكرار الاعتداء. بشكل عام، هنالك معارضة من قبل العائلة والمجتمع الفلسطيني في كسر حاجز الصمت ومعالجة المشكلة، أو تدخل المهنيين، ويفضلون العلاج داخل العائلة عن طريق استعمال أساليب تناسب وتحافظ على عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني. المجتمع الفلسطيني في إسرائيل يعاني من نقص في الميزانيات، الموارد ومراكز علاج متخصصة لعلاج الضحايا، وهنالك حاجة ماسة إلى تأهيل مهني مما يصعب على المهنيين اختيار طرق العلاج".
كما وأردفت الدكوترة عنان في حديثها: "ان طرق العلاج المخصصة للضحايا الفلسطينيات تشمل التوجه إلى لجنة الإعفاء للمأمورين القضائيين في تقديم شكوى والتبليغ، مقابل بناء خطة علاج مناسبة، التوجه إلى مراكز مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية، التوجه لقسم الشؤون الاجتماعية، إدخال الضحية في مؤسسة علاجية والتوجه للمسار القضائي. المسار العام في علاج ضحايا الاعتداء الجنسي هو التوجه للشرطة وتقديم شكوى ضد المعتدي، من اجل المطالبة بإثبات العدل القانوني ومعاقبة الجاني، رغم البُعد القائم بين المجتمع الفلسطيني والجهاز القضائي، وعدم ملاءمة القانون لحاجيات وخصوصيات المجتمع الفلسطيني. المسار القضائي منوط في توجه الضحية لجهاز الشرطة، الذي يتميز بعدم تفهمه لوضعية الضحية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص، واهتمامه أكثر في تجميع أدلة قانونية، تعامله السلبي مع الضحية، عدم الثقة بها واعتبار المجتمع الفلسطيني مجتمعًا محافظاً تميزه ظاهرة العنف الجنسي، مما يجعله يفضل التوجه للعائلة لحل المشكلة.
ان خطورة المسار القضائي تكمن في احتمال فقدان العائلة وتدهور وضع الضحية، نتيجة للصعوبات التي تواجهها في المسار القضائي، وخاصة انه في معظم الحالات ترفض العائلة دعم الضحية في المسار القضائي، ولذلك فالضحايا يدفعن الثمن في المسار القضائي، رغم كونه يمثل مقولة اجتماعية لمعارضة المجتمع للظاهرة. وان سياسة دولة إسرائيل تهدف إلى تقوقع المجتمع الفلسطيني، وتحديد تطوره الفكري الثقافي الاجتماعي والاقتصادي. يعتبر المجتمع الفلسطيني في إسرائيل أقلية وطن، تعاني من احتلال، مما أدى إلى زيادة تقوقعه من اجل المحافظة على خصوصيته التي تبدأ وتنتهي في المبنى الذكوري، وهو يعيش في بيئة عنيفة التي تعاني من عدم الاحترام، عنف، تمييز وكبت، مما يؤدي إلى غربة وبُعد بين الدولة والفلسطينيين واعتبار الدولة كمغتصبة للشعب الفلسطيني وأراضيه، الذي يعيش في ظروف طارئة".
اختتمت د. عنان حديثها: "بالإضافة إلى ذلك، ان الشرطة الإسرائيلية تملك نظرة خاطئة للأقلية الفلسطينية، حيث يتميز تدخلها وطرق تعاملها مع قضايا الاعتداءات الجنسية بأنه سطحي، ويتعلق في العلاقة بين الشرطة والمعتدي ومصلحتها السياسية والمهنية في معاقبة المعتدي، خاصة انه في بعض الحالات نواجه معارضة لدى الشرطة في التدخل بادعاء أن المجتمع الفلسطيني يعارض تدخلهم في القضايا العائلية. إضافة إلى ذلك، هنالك تدخل خاطئ من قبل الشرطة مع الفتيات، مما يؤدي إلى ازدواجية لدى الضحايا بالنسبة لرغبة الدولة ومؤسساتها في المساعدة.
السياق السياسي يزيد من معارضة المجتمع الفلسطيني للتوجه لجهاز الشرطة، نتيجة لعدم الثقة في مؤسسة تابعة لدولة محتلة وعنصرية، الخوف من الشرطة ورؤيتها كمؤسسة عنيفة، صعوبة في اللغة، فرق في العلاج والتعامل بين الضحايا الفلسطينيات واليهوديات وضحية مضاعفة للفلسطينيات، مقارنة مع اليهوديات اللاتي يشعرن بالانتماء للدولة والتحدث بنفس اللغة، والنظرة الايجابية للشرطة وتلقي دعم العائلة والمجتمع".
وخلصت عنان ابو صالح: "أوصي بإجراء دراسات تطبيقية عن السبل والمناهج الأمثل لعلاج مشكلة العنف الجنسي في المجتمع الفلسطيني، بما يتماشى مع مصلحة الضحية وعلاج المعتدي، من خلال التطرق للوضع الثقافي الاجتماعي والسياسي للمجتمع الفلسطيني. بالمقابل، النضال امام المؤسسة الإسرائيلية، لتوفير الكوادر المهنية والموارد البشرية المتخصصة، وإقامة مؤسسات لمكافحة ومعالجة مشكلة العنف الجنسي في المجتمع الفلسطيني".